لكن اعلم أن الذي هو قريبٌ من السلطان ولا ذلك في موضعه ولا تلك منزلته، ليس كمن دنا منه بعد البعد وله حقٌ وحرمةٌ؛ وأنا ملتمس بلوغ مكانتهم بجهدي. وقد قيل: لا يواظب على باب السلطان إلا من يطرح الأنفة ويحمل الأذى ويكظم الغيظ ويرفق بالناس ويكتم السر؛ فإذا وصل إلى ذلك فقد بلغ مراده. قال كليلة: هبك وصلت إلى الأسد، فما توفيقك عنده الذي ترجو أن تنال به المنزلة والحظوة لديه؟ قال دمنة: لو دنوت منه وعرفت أخلاقه، لرفقت في متابعته وقلة الخلاف له. وإذا أراد أمراً هو في نفسه صواب، زينته له وصبرته عليه، وعرفته بما فيه من النفع والخير؛ وشجعته عليه وعلى الوصول إليه، حتى يزداد به سروراً. وإذا أراد أمراً بما فيه الضر والشين، وأوقفته على ما في تركه من النفع والزين، بحسب ما أجد إليه السبيل.