وليس أحد بأعلم بما في نفس الموجع الحزين ممن ذاق مثل ما به. فأنا بما في نفسي عالم بما نفسك: للمثل الذي عندي من ذلك. ولا خير لي في صحبتك: فإنك لن تتذكر صنيعي بابنك، ولن أتذكر صنيع ابنك بابني، إلا أحدث ذلك لقلوبنا تغييراً. قال الملك: لا خير فيمن لا يستطيع الإعراض عما في نفسه، وينساه ويهمله، حتى لا بذكر منه شيئاً، ولا يكون له في نفسه موقع. قال فنزة: إن الرجل الذي في باطن قدمه قرحة، إن هو حرص على المشي فلا بد أنه لا يزال يشتكي قرحته، والرجل الأرمد العين إذا استقبل بها الريح، تعرض لأن تزداد رمداً. وكذلك الواتر إذا دنا من الموتور، فقد عرض نقسه للهلاك. ولا ينبغي لصاحب الدنيا إلا توقي المهالك والمتالف، وتقدير الأمور وقلة الاتكال على الحول والقوة، وقلة الاغترار بمن لا يأمن: فإنه من اتكل على قوته، فحمله ذلك على أن يسك الطريق المخوف، فقد سعى في حتف نفسه.