وقال: إني لم أجهل قول العلماء في تعظيم العقوبة وتشديدها، وما يدخل على الرجل من العار في إذاعة الأسرار؛ ولكني أحببت أن أخبرك بما فيه المصلحة لك؛ وإن وصل خطؤه وضرره إلى العامة فإصرارهم على خيانة الملك مما لا يدفع الشر عنهم، وبه يحتج السفهاء، ويستحسنون ما يكون من أعمالهم القبيحة. وأشد معارهم إقدامهم على ذي الحزم. فلما قضت أم الأسد هذا الكلام، استدعى أصحابه وجنده فأدخلوا عليه. ثم أمر أن يؤتى بدمنة. فلما وقف بين يدي الأسد، ورأى ما هو عليه من الحزن والكآبة، التفت إلى بعض الحاضرين فقال: مالذي حدث؟ وما الذي أحزن الملك؟ فالتفتت أم الأسد إليه وقالت: قد أحزن الملك بقاؤك ولو طرفة عين؛ ولن يدعك بعد اليوم حياً! قال دمنة: ما ترك الأول للآخر شيئاً: لأنه يقال: أشد الناس في توقي الشر، يصيبه الشر قبل المستسلم له.