وأحب دمنة أن يري القوم أن ما ناله من كرامة الملك غنما هو لرأيه ومروءته وعقله: لأنهم عرفوا قبل ذلك أن ذلك لمعرفته أباه، فقال: إن السلطان لا يقرب الرجال لقرب آبائهم، ولا يبعدهم لبعدهم، ولكن ينبغي أن ينظر إلى كل رجلٍ بما عنده: لأنه لا شيء أقرب إلى الرجل من جسده ومن جسده ما يدوى حتى يؤذيه ولا يدفع ذلك عنه إلا بالدواء الذي يأتيه من بعد. فلما فرغ دمنة من مقالته هذه أعجب الملك به إعجاباً شديداً، وأحسن الرد عليه، وزاد في كرامته. ثم قال لجلسائه: ينبغي للسلطان ألا يلج في تضييع حق ذوي الحقوق. والناس في ذلك رجلان: رجلٌ طبعه الشراسة، فهو كالحية إن وطئها الواطئ فلم تلدغه، لم يكن جديراً أن يغره ذلك منها، فيعود إلى وطئها ثانية فتلدغه؛ ورجلٌ أصل طباعه السهولة، فهو كالصندل البارد الذي إذا أفرط في حكه صار حاراً مؤذياً. ثم إن دمنة استأنس بالأسد وخلا به.