فأما من كان أصل أمره عداوة جوهرية، ثم أحدث صداقة لحاجة حملته على ذلك، فإنه إذا زالت الحاجة التي حملته على ذلك، زالت صداقته، فتحولت عداوة وصار إلى أصل أمره: كالماء الذي يسخن بالنار، فإذا رفع عنها عاد بارداً. وليس من أعدائي عدوٌّ أضر لي منك. وقد اضطرني وإياك وإلى ما أحدثنا من المصالحة. وقد ذهب الأمر الذي احتجت إليّ واحتجت إليك فيه، وأخاف أن يكون مع ذهابه عود العداوة. ولا خير للضعيف في قرب العدو القوي، ولا للذليل في قرب العدو العزيز. ولا أعلم لك قبلي حاجة، وليس عندي بك ثقة: فإني قد علمت أن الضعيف المحترس من العدو القوي أقرب إلى السلامة من القوي إذا اغتر بالضعيف واسترسل إليه. والعاقل يصالح عدوه إذا اضطر إليه، ويصانعه، ويظهر له ودّه، ويريه من نفسه الاسترسال إليه إذا لم يجد من ذلك بدّا، ثم يعجّل الانصراف عنه، حين يجد إلى ذلك سبيلا.