ثم إن دمنة انطلق حتى دخل الأسد فسلم عيه. فقال الأسد لبعض جلسائه: من هذا؟ فقال فلان بن فلان. قال: قد كنت أعرف أباه. ثم سأله أين تكون؟ قال: لم أزل ملازماً باب الملك، رجاء أن يحضر أمرٌ فأعين الملك به بنفسي ورأيي: فإن أبواب الملك تكثر فيها الأمور التي ربما تحتاج فيها إلى الذي لا يؤبه له؛ وليس أحدٌ يصغر أمره إلا وقد يكون عنده بعض الغناء والمنافع على قدره؛ حتى العود الملقى في الأرض ربما نفع، فيأخذه الرجل فيكون عدته عند الحاجة إليه. فلما سمع الأسد قول دمنة أعجبه، وظن أن عنده نصيحةً ورأياً. فأقبل على من حضر فقال: إن الرجل ذا العلم والمروءة يكون خامل الذكر خافض المنزلة، فتأبى منزلته إلا أن تشب وترتفع؛ كالشعلة من النار يضربها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً. فلما عرف دمنة أن الأسد قد عجب منه قال: إن رعية الملك تحضر باب الملك، رجاء أن يعرف ما عندها من علمٍ وافرٍ.