قال الفيلسوف: زعموا أنه كان بأرض الكرخ ناسك عابدٌ مجتهدٌ. فنزل به ضيفٌ ذات يومٍ، فدعا الناسك لضيفه بتمر: ليطرفه به. فأكلا منه جميعاً. ثم قال الضيف: ما أحلى هذا التمر وأطيبه! فليس هو في بلادي التي أسكنها، وليته كان فيها! ثم قال: أرى أن تساعدني على أن آخذ منه ما أغرسه في أرضنا: فإني لست عارفاً بثمار أرضكم، هذه ولا بمواضعها. فقال له الناسك: ليس لك في ذلك راحة: فإن ذلك يثقل عليك. ولعل ذلك لا يوافق أرضكم، مع أن بلادكم كثيرة الأثمار فما حاجتها مع كثرة ثمارها إلى التمر مَعَ وخامته وقلة موافقته للجسد؟ ثم قال له الناسك: إنه لا يعد حكيماً من طلب ما لا يجد. وإنك سعيد الجدِّ إذا قنعت بالذي تجد، وزهدت فيها لا تجد. وكان هذا الناسك يتكلم بالعبرانية. فاستحسن الضيف كلامه وأعجبه، فتكلف أن يتعلمه؛ وعالج في ذلك نفسه أياماً.