ومع ذلك ربما صنع الإنسان المعروف مع الضعيف الذي لم يجرب شكره، ولم يعرف حاله في طبائعه فيقوم بشكر ذلك ويكافئ عليه أحسن المكافأة. وربما حذر العاقل الناس ولم يأمن على نفسه أحداً منهم. وقد يأخذ ابن عرس فيدخله في كمه ويخرجه من الآخر، كالذي يحمل الطائر على يده، فإذا صاد شيئاً انتفع به، ومطعمه منه. وقد قيل: لا ينبغي لذي العقل أن يحتقر صغيراً ولا كبيراً من الناس ولا من البهائم، ولكنه جدير بأن يبلوهم، ويكون ما يصنع إليهم على قدر ما يرى منهم. وقد مضى في ذلك مثل ضربه بعض الحكماء. قال الملك: وكيف كان ذلك؟ قال الفيلسوف: زعموا أن جماعة احتفروا ركية فوقع فيها رجل صائغ وحية وقرد وببر، ومر بهم رجل سائح فأشرف على الركية، فبصر بالرجل والحية والببر والقرد ففكر في نفسه، وقال: لست أعمل لآخرتي عملاً أفضل من أن أخلص هذا الرجل من بين هؤلاء الأعداء.