قال دمنة: إن اللئيم لا يزال نافعاً ناصحاً حتى يرفع إلى المنزلة التي ليس لها بأهل؛ فإذا بلغها التمس ما فوقها؛ ولا سيما أهل الخيانة والفجور: فإن اللئيم الفاجر لا يخدم السلطان ولا ينصح له إلا من فرقٍ . فإذا استغنى وذهبت الهيبة عاد إلى جوهره؛ كذنب الكلب الذي يربط ليستقيم فلا يزال مستوياً ما دام مربوطاً؛ فإذا حل انحنى واعوج كما كان. واعلم أيها الملك أنه من لم يقبل من نُصائِحه ما يثقل عليه مما ينصحون له به، لم يحمد رأيه؛ كالمريض الذي يدع ما يبعث له الطبيب؛ ويعمد إلى ما يشتهيه. وحق على موازر السلطان أن يبالغ في التحضيض له على ما يزيد من سلطانه قوةً ويزينه؛ والكف عما يضره ويشينه؛ وخير الإخوان والأعوان أقلهم مداهنة في النصيحة؛ وخير الثناء ما كان على أفواه الأخيار؛ وأشرف الملوك من لم يخالطه بطرٌ؛ وخير الأخلاق أعونها على الورع.