فكان ما لقي من النجار من الضرب أشد مما أصابه من الخشبة. قال دمنة: قد سمعت ما ذكرت، ولكن اعلم أن كل من يدنو من الملوك ليس يدنو منهم لبطنه، وإنما يدنو منهم ليسر الصديق ويكبت العدو. وإن من الناس من لا مروءة له؛ وهم الذين يفرحون بالقليل ويرضون بالدون؛ كالكلب الذي يصيب عظماً يابساً فيفرح به. وأما أهل الفضل والمروءة فلا يقنعهم القليل، ولا يرضون به، دون أن تسموا به نفوسهم إلى ما هم أهلٌ له، وهو أيضاً لهم أهلٌ؛ كالأسد الذي يفترس الأرنب، فإذا رأى البعير تركها وطلب البعير، ألا ترى أن الكلب يبصبص بذنبه. حتى ترمى له الكسرة، وأن الفيل المعترف بفضله وقوته إذا قدم إليه علفه لا يعتلفه حتى يمسح ويتملق له. قمن عاش ذا مالٍ وكان ذا فضلٍ وإفضالٍ على أهله وإخوانه فهو وإن قل عمره طويل العمر. ومن كان في عيشه ضيقٌ وقلةٌ وإمساكٌ على نفسه وذويه فالمقبور أحيا منه.