فاستعار الناسك من بعض جيرانه فأساً، فأتى بها الضيف، وأنا حينئذٍ في غير جحري أسمع كلامهما، وفي جحري كيس فيه مائة دينار، لا أدري من وضعها، فاحتفر الضيف حتى انتهى إلى الدنانير فأخذها وقال الناسك: ما كان هذا الجرذ يقوى على الوثوب حيث كان يثب إلا بهذه الدنانير: فإن المال جعل له قوة وزيادة في الرأي والتمكن. وسترى بعد هذا أنه لا يقدر على الوثوب حيث كان يثب. فلما كان من الغد اجتمع الجرذان التي كانت معي فقالت: قد أصابنا الجوع، وأنت رجائنا فانطلقت ومعي الجرذان إلى المكان الذي كنت أثب منه إلى السلة فحاولت ذلك مراراً: فلم أقدر عليه فاستبان للجرذان نقص حالي فسمعتهن يقلن: انصرفن عنه، ولا تطمعن فيما عنده: فإنا نرى له حالاً لا نحسبه إلا قد احتاج معها إلى من يعوله. فتركني، ولحقن بأعدائي وجفونني، وأخذن في غيبتي عند من يعاديني ويحسدني.